
27 أكتوبر – في تاريخ الحداثة الفنية الهندية كان مقبول فدا حسين (1913–2011) الأكثر شهرة بين أبناء جيله ورفاقه الستة، في ما يعرف بـ”حركة بومباي” التي انطلقت عام الاستقلال 1947، لتكسر قوالب كولونيالية وأكاديمية بريطانية ضبطت المخيال الفني طوال تسعة عقود من الاستعمار.
كان فدا حسين محمولاً على حداثته الخاصة في وطنه الهند، وتمرده على المكرس الخارجي والداخلي، منتمياً إلى أساطيره الجمعية، محلقاً في الوقت ذاته بجناحيه الاثنين، وفضائه الوحيد.
وهذان الشهران الجاري والمقبل يتقاسمان الاحتفاء به، عبر معرض “مقبول فدا حسين: جذور وعصور” المزمع تدشينه يوم 28 الجاري في غاليري متاحف قطر بكتارا، ويستمر حتى 7 فبراير/ شباط 2026، ثم بعد شهر بالتمام والكمال، يُفتتح متحف باسمه في المدينة التعليمية، يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني.
مر الفنان الشهير في منارات التشكيل العالمية، وساقته أقداره إلى الدوحة، فاستقر في آخر أيامه محترماً مقدراً، إلى أن توفي خلال وجوده في لندن ودفن في مقبرة بروك وود، حيث يجاور هناك قبور شخصيات إسلامية بارزة.
والفنان الهندي الذي جعل من اللوحة مسرحاً للذاكرة والأسطورة والحداثة في آنٍ واحد يحضر الآن كما في كل مرة مضيئاً على واحد من جنبات إبداعه الغزير والمتنوع.
هذا المعرض الذي عرض أول مرة في بينالي البندقية الستين العام الفائت، جاء إلى الدوحة بالتعاون مع متحف كيران نادار للفنون في نيودلهي، طارحاً أكثر من ثمانين عملاً للفنان تستعرض رحلته بين الهند وقطر والعالم، وتعيد تأمل مفهوم الجذور والرحلة في سيرته الفنية.
النسخة القطرية من المعرض بحسب بيان متاحف قطر “تقدم بصيغة جديدة تراعي الفضاء المحلي، وتطور التجربة الغامرة التي تستند إلى الصوت والحركة والوسائط المتعددة”.
يتعرف المشاهد إلى عوالم ضخمة رقمية مثلما يعاين رحلته المهمة مع رسم أفيشات السينما في بومباي، ولوحاته التي تتجاور فيها الآلهة والناس، والأسطورة والسياسة، والجسد والمجاز، ليخلق فضاءً تعبيرياً متفرداً يتحدى التصنيف.
في هذا كله سعى حسين إلى صياغة لغة بصرية تتجاوز الحدود الجغرافية والدينية، وأعادت تعريف صورة الهند الحديثة بعد الاستعمار.
لذلك ظل مقبول فدا حسين فناناً منقسماً بين وطنٍ يحتفظ بجذوره وبين روحٍ مسافرةٍ تنفتح على العالم، وهو الانقسام نفسه الذي يستحضره المعرض في عنوانه وفي رؤيته.
إلى جانب اللوحات ثمة الرسومات والملصقات، والصور الفوتوغرافية، والنصوص الشعرية، والمواد الأرشيفية، وهي كلها تتتبع سيرة حسين منذ تكوينه الفني في الهند وحتى سنواته الأخيرة التي قضاها في قطر مواطناً وفناناً مقيماً.
يستند المعرض إلى رؤية فنية أشرف على تصورها وتقييمها متحف كيران نادار للفنون، ونفذتها بصرياً شركة فيزيوني في روما، في محاولة لتفكيك مفهوم “ياترا” (الرحلة) الذي يشكل نواة تجربة حسين، بوصفها جوهراً للقيم الحضارية ودعوة فنية، وتحولات يتم التعبير عنها بشكل مجازي.
يجمع هذا الإنتاج المركب بين الرسومات المتحركة، والمشاهد الحية، والصور المتحركة ثنائية وثلاثية الأبعاد، وفن الأداء الحركي، والتصميم الصوتي، ليقدم رؤية إنسانية عميقة وموحدة تدمج بسلاسة بين أعمال حسين المتنوعة، وتروي القصة المركبة لهذه الشخصية، وتُذكر الجمهور بالسرديات المشتركة التي توحد البشر عبر مناطق جغرافية متنوعة وأجيال متعددة.
روبينا كارودي، المديرة والقيمة الفنية لمتحف كيران نادار للفنون قالت في بيان هيئة المتاحف إن رؤية “مقبول فِدا حسين، تتميز بقدرتها على مخاطبة جماهير من ثقافات متعددة”.
الجماهير التي ما زالت تتلقى أعماله، ويقتنيها جامعو كنوز التشكيل العالمية لم تكن يوماً إلا نسيج وحدها ودرساً يعاد ويؤكده حول أصالة العمل الإبداعي دائماً مستندة إلى ذاتها.










