Skip to main content

فوز “مشروع إحياء إسنا التاريخية” في مصر بجائزة الآغا خان

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

9أيلول – أعلنت لجنة التحكيم العليا لجائزة الآغا خان للعمارة، اليوم الثلاثاء، فوز مشروع إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية بجائزة الآغا خان للعمارة في دورتها لعام 2025، إحدى أهم الجوائز المرموقة في هذا المجال.

ويضع ذلك الفوز مصر مجدداً على الخريطة العالمية للعمارة بعد غياب دام أكثر من عقدين، منذ فوز مكتبة الإسكندرية بالجائزة عام 2004. ويأتي هذا التتويج ثمرة مسار طويل من العمل التشاركي الذي جمع بين مؤسسة “تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة”، ووزارة السياحة والآثار، ومحافظة الأقصر، وبدعم من حكومة الولايات المتحدة الأميركية، ومملكة هولندا، والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، في تجربة فريدة رسخت نموذجاً ملهماً للتنمية القائمة على حفظ التراث الثقافي وإشراك المجتمع المحلي.

وأشادت لجنة التحكيم العليا للجائزة، في بيان صحافي، بالمشروع ووصفته بأنه “يتجاوز الحدود المعتادة لمشروعات الحفاظ العمراني، إذ يقدم رؤية تهتم بالعناصر المختلفة للتنمية بجوانبها الاقتصادية والثقافية، من خلال برنامج اجتماعي شامل يهدف إلى تحسين البيئة التراثية تدريجياً”.

وأكدت اللجنة أن المشروع تميّز بكون المجتمع المحلي لاعباً رئيسياً في مسيرة إنجازه، موضحة أن “السكان يضطلعون بدورٍ رئيسي في الحفاظ على التناغم العمراني من خلال تراثهم الحي، مما يُطلق زخماً تجديدياً مستداماً في نسيج عمراني كان قد أصبح متداعياً”.

ورأت لجنة التحكيم، التي تضم خبراء في العمارة والثقافة والفنون من دول عدة، أن قيمة المشروع تكمن في أنه لم يقتصر على المعالم الأثرية الشهيرة، بل امتد إلى النسيج العمراني والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. وأوضحت أن “من خلال ترميم أو إعادة استخدام المباني التجارية والسكنية والروحية، يعمل المشروع على تنشيط منظومة عمرانية تاريخية كاملة للتعامل مع التحديات المعاصرة المتمثلة في تحسين الظروف الإنسانية وتطوير بنية العمل للحرفيين”. وأضافت اللجنة أن ما تحقق في إسنا “يعكس صدى التقنيات والمعارف المحلية من خلال نتائج صغيرة وتراكمية مبتكرة، بما يُسهم بفعالية في الحفاظ على القلب العمراني للمدينة، وتعزيز هويتها، وحيويتها الثقافية، ومرونتها الاقتصادية”.

كما أكدت أن “أهمية مشروع إسنا تكمن في كونه لا يركز فقط على المعالم الأثرية والعناصر المادية من النسيج التاريخي، بل يولي اهتماماً خاصاً بالتراث غير المادي، بما في ذلك الحرف التقليدية والممارسات الثقافية، وبالدور الفعال لرأس المال الثقافي غير المادي باعتباره وسيلة لإحياء البعدين المادي وغير المادي معاً”.

وأشارت إلى أن المشروع يمثل سابقة في السياق المصري، موضحة: “أصبح المشروع أول خطة حفاظ لمنطقة عمرانية غير أثرية يتم اعتمادها من الحكومة المصرية، وذلك بجمعه بين إعادة الاستخدام التكيّفي، وتمكين المجتمع، وتحفيز الاقتصاد المحلي”.

وشكّل هذا الإنجاز نقطة تحول بارزة لمدينة إسنا التي ظلت لسنوات طويلة خارج الخريطة السياحية، إذ اقتصرت أنشطة الزيارة بها على معبد خنوم الشهير فقط، بينما عانت شوارعها وأسواقها ومبانيها التراثية من التداعي.

غير أن المشروع تمكن، عبر التعاون مع أجهزة الدولة والقطاع الخاص، من إعادة صياغة الصورة الذهنية للمدينة، فارتفع عدد زوارها لأكثر من ثلاثة أضعاف، وأُعيد إدماجها كوجهة ثقافية وسياحية غنية بالطبقات التاريخية المتنوعة التي تشمل العصور اليونانية-الرومانية، والقبطية، والإسلامية، والعصر الحديث.

وعبّر المهندس كريم إبراهيم، مدير المشروع، عن اعتزازه بهذا التقدير الدولي، مشيراً إلى أن “الجائزة لا تكرم التصميم المعماري فقط، بل تحتفي بدور العمارة أداةً للتنمية المستدامة وتعزيز الروح المجتمعية”. وأوضح أن “الهدف من المشروع كان إعادة تقديم إسنا بوصفها وجهة ثقافية وسياحية متكاملة، وتحفيز الاقتصاد المحلي عبر خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز استفادة المجتمع من عوائد السياحة”.

وشمل المشروع سلسلة واسعة من التدخلات المادية التي غيّرت وجه المدينة، مثل ترميم وكالة الجداوي الأثرية وفتحها للجمهور لأول مرة منذ أكثر من سبعين عاماً، وتطوير سوق القيسارية التقليدي بالتعاون مع أصحاب المحلات ومحافظة الأقصر، وتحسين موقع معبد خنوم وتزويده بخدمات الزوار، وذلك بالتكامل مع جهود وزارة السياحة والآثار لترميم المعبد، إلى جانب ترميم استراحة الملك فاروق (الخاصة الملكية) بالمطاعنة.

كما جرى ترميم وتجديد واجهات 15 مبنى وموقعاً تراثياً آخر بالمدينة، وتطوير شارع السوق (البازار) مع توفير عناصر تظليل وفراغات عامة محسنة. لكن ما يميز المشروع حقاً هو أن هذه التدخلات لم تقتصر على الجانب العمراني، بل امتدت إلى بناء القدرات وتعزيز المشاركة المجتمعية.

ووفّر المشروع من خلال أنشطته مئات فرص العمل، ودرب أكثر من 400 فرد من أبناء إسنا على الحرف التقليدية، وأنشطة الترميم وإعادة التأهيل، وإدارة مواقع التراث الثقافي، والإرشاد السياحي.

كما وثّق التراث المادي وغير المادي للمدينة، بما شمل أكثر من 20 مبنى تراثياً، و25 وصفة طهي تقليدية، وأطلق مشاريع اقتصادية صغيرة بقيادة النساء مثل “مطبخ أوكرا لسيدات إسنا” و”ورشة الأعمال الخشبية”.

كذلك شارك المشروع مع أصحاب الأعمال المحليين في تطوير أكثر من 15 منشأة متناهية الصغر لتقديم خدمات سياحية مميزة لزوار المدينة. وأسهمت هذه المبادرات في فتح آفاق جديدة للمرأة والشباب، ورسخت قناعة بأن التراث يمكن أن يصبح محركاً للشمول الاجتماعي والنمو الاقتصادي المستدام.

وأكد محافظ الأقصر، المهندس عبد المطلب ممدوح عمارة، أن فوز إسنا بالجائزة “يعزز من الجهود التي تقوم بها الدولة المصرية من أجل الاهتمام بالسياحة والتنمية المستدامة في الأقصر وصعيد مصر”، مشيراً إلى أن المدينة “تشهد حالياً تنفيذ مشروع رائد لتطوير كورنيشها الممتد بطول 1,260 متراً بهدف تحويله إلى واجهة حضارية وسياحية عصرية عبر إنشاء ممشى نهري، وبازارات، ومسرح مفتوح، وحدائق ترفيهية، بما يعزز البنية التحتية، وينشط السياحة، ويوفر متنفساً حديثاً لسكان المدينة وزوارها”.

ولفت إلى أن الدولة تعمل حالياً على تطوير الفراغات العامة، والارتقاء بالبنية الأساسية، وترميم واجهات المباني التراثية المحيطة بمنطقة معبد خنوم، وكذلك المسار المؤدي إلى المعبد عبر البازارات السياحية.

ويعيد فوز مشروع إعادة إحياء إسنا بجائزة الآغا خان للعمارة إلى الأذهان مسيرة مصر الطويلة مع هذه الجائزة التي تأسست عام 1977 بمبادرة من الأمير كريم آغا خان. وكانت مصر حصلت على الجائزة في سبع مناسبات سابقة، كان من أبرزها متحف النوبة عام 2001، ومكتبة الإسكندرية عام 2004، إلا أن أيّاً من المشاريع المصرية لم يُدرج في القائمة القصيرة منذ ذلك الحين.

ويمثل فوز مشروع إسنا محطة فارقة في عودة العمارة المصرية إلى مكانتها العالمية المستحقة، ويقدم في الوقت نفسه نموذجاً قابلاً للتطبيق في مدن مصرية أخرى تبحث عن مسار جديد للتنمية يجمع بين الحفاظ على الهوية المحلية وتطلعات المستقبل.

–أسوشييتد برس

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن