
الكاتب
رمزي الغزوي
18.9.2025
العالم اليوم يشبه بيتا يحترق في أكثر من غرفة. الجيران يتصايحون، الجدران تتشقق، والسقف يترنح. وفي زاوية الصالون يجلس رجل يصر على أنه يملك وحده مفتاح الإطفاء، لكنه لا يتحرك. يكتفي بأن يرفع حاجبيه دهشة، أو يطلق جملة غامضة، كأن النيران لا تخصه.
الحروب تتوالى: هنا نزاع يطول حتى الإنهاك، وهناك قصف مباغت يربك التحالفات، وعلى أطراف أخرى مسيرات تتوغل في سماء محصنة منذ عقود. لكن من يزعم أنه صانع السلام يتعامل مع الأمر وكأنه نشرة جوية عابرة، يعلق بتغريدة مقتضبة ثم يلوذ بالصمت، بينما العالم يترنح في انتظار موقف لا يأتي.
الأدهى أن هذا الصمت يقرأ كإشارة ضعف. الخصوم يزدادون شراسة، والحلفاء يشعرون بأنهم تركوا وحدهم في ساحة المعركة. فهل يصنع السلام بالتجاهل؟ أم بالانسحاب إلى مقعد المتفرج الذي يراقب الحريق ويتسلى بشرره؟
التناقض فادح: من جهة يسعى صاحب الصوت العالي إلى أوسمة دولية، متباهيا بقدراته الخارقة على إنهاء الصراعات، ومن جهة أخرى ينفض يديه حين تختبر الإرادة بالفعل. أي سلام هذا الذي يولد من شعارات جوفاء؟ وأي مسؤولية تختزل في أمنيات معلبة وابتسامات أمام الكاميرات؟
المشكلة لا تقف عند حدود الفرد، بل تكشف هشاشة النظام العالمي بأسره. حين تتنازل القوة الكبرى عن دورها، تفتح الأبواب على مصاريعها للفوضى. وحين يترك الحلفاء ليواجهوا مصيرهم وحدهم، يصبح الأمن المشترك أسطورة قديمة، ويغدو القانون الدولي مجرد نص بلا روح. هنا يتجلى المشهد: زعامة تتآكل، وسياسة تنحدر إلى عروض مسرحية هشة لا تقوى على مواجهة العاصفة.
التفرج لا يوقف حربا، ولا يعيد طفلا من تحت الركام أو من فم المجاعة. السلام الحقيقي ليس تغريدة ولا تنهيدة غامضة، بل قرار يواجه الطوفان مهما كان الثمن. فدونالد ترمب بملامحه الصاخبة، يتعامل مع الخراب كما لو كان عرضا تلفزيونيا جديدا، ويطارد جائزة السلام كما يطارد نسب المشاهدة، ناسيا أن التاريخ لا يمنح المجد لمتفرج على اللهيب، بل لمن يغامر بيديه ليطفئ النار، ويترك خلفه شرارة نور تهدي العابرين.
“الدستور”