
الكاتب
د. ياسين الخياط
7.8.2025
تُعدُّ النفايات بأشكالها مشكلة بيئية شائعة ناجمة عن الإهمال وقلة الوعي. الالقاء العشوائي للنفايات يُلَوِّث النظم البيئية، ويضرُّ بالحياة البرية، ويسدّ أنظمة صرف المياه، ويشوّه الأماكن العامة. وتَبقى المواد البلاستيكية على وجه الخصوص لقرون فتتفكك إلى جسيمات دقيقة (ميكروبلاستيك) تلوّث التربة والماء وسلاسل الغذاء.
وينبعُ هذا التحدي من مزيج من البنية التحتية غير الكافية، وضعف الرقابة وتنفيذ القانون، والتسامح الاجتماعي، وانفصال الناس عن الطبيعة. إنّ تغيير رؤيتنا للإلقاء العشوائي للنفايات وكيفية تعاملنا معها أمرٌ أساسي لتحقيق التقدّم في الادارة المستدامة للنفايات.
إنّ التهديدات البيئية من الانبعاثات الصناعية إلى إزالة الغابات وشحّ المياه تكاد تطغى على الجهود. غير أن سوء إدارة النفايات يبقى أحد أهم التحديات الفورية والمرئية في الأردن. من مكبات النفايات المزدحمة إلى النفايات الملقاة والمنتشرة في الشوارع ومحدودية اعادة التدوير، فإن الأزمة تتطلب حلولاً عاجلة ومبتكرة.
في أكتوبر 2016، كتبتُ مقالًا بعنوان “Wasting No Opportunity” في صحيفة The Jordan Times، دعوتُ فيه إلى اتخاذ إجراءات تشريعية لاحتواء أزمة النفايات الملقاة عشوائيا والمتفشية في المملكة. ولم يمض وقت طويل حتى أطلقت وزارة البيئة حملة التوعية الوطنية “صرخة وطن” عبر المدارس ووسائل الإعلام والمتاحف والمجتمعات المحلية، بدعم من صندوق حماية البيئة. ورغم أن الحملة بدأت بزخم واعد، إلا أن هذا الزخم تلاشى بحلول مطلع عام 2018 نتيجة غياب الاستمرارية والالتزام من قبل الجهة المعنية.
لا يقتصر التغيير الحقيقي على المشاركة المجتمعية فحسب، بل يتطلب أيضًا تنفيذًا حكوميًا متواصلًا للقوانين. مع تزايد السكان وتراكم النفايات، باتت هذه القضية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى—على المستوى الوطني والإقليمي. فإدارة النفايات الذكية يمكن أن تُحفّز أنماط حياة مستدامة ونموًا اقتصاديًا أخضر.
وفي خطوة رئيسية إلى الأمام، صدر القانون الإطاري لإدارة النفايات رقم 16 لسنة 2020، الذي تمت صياغته عام 2016، والذي اعتمد أفضل الممارسات العالمية وقدم مبدأ “الملوث يدفع”، مُقرًِّا غرامات تتراوح بين 50 و500 دينار أردني، مع عقوبات أشد للمُخالفين المتكررين.
وإلى جانب الغرامات، يشدّد القانون على المسؤولية المشتركة بين المواطنين والبلديات والمؤسسات. كما يُعزّز دور القطاع الخاص ويفرض استراتيجيات واضحة لإدارة النفايات. بيد أن أي إطار قانوني قوي لا يرى النور من دون تنفيذٍ منتظم ومستدام.
توصيات سياسية
للتصدي بفعالية لإلقاء النفايات وتلوث الأماكن العامة في الأردن، ينبغي اعتماد استراتيجية وطنية متعددة الجوانب. ومن بين التوصيات الأساسية:
1.تطوير البنية التحتية للنفايات
زيادة عدد وسهولة الوصول لحاويات النفايات وإعادة التدوير في الأماكن العامة.
ضمان الصيانة الدورية وجمع النفايات في الوقت المناسب.
2. التنفيذ والمساءلة
o تعزيز تطبيق قوانين مكافحة النفايات عبر الشرطة البيئية المدربة لهذا الشأن، ودوريات مرئية، وأدوات إصدار المخالفات عبر الأجهزة المحمولة.
o إنشاء منصات رقمية للتبليغ الجماهيري (مثل التطبيقات وخطوط الاتصال المباشرة) لتفعيل المشاركة.
o نشر إجراءات التنفيذ لردع الانتهاكات.
3. تحفيز التغيير السلوكي
o إطلاق حملات توعوية مستهدفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمدارس ومراكز الأديان والمؤثرين.
o تعزيز مبدأ فخر المجتمع من خلال «أيام التنظيف الوطني»، وبرامج الشباب، وحوافز التطوع.
4. الشراكة مع القطاع الخاص
o إلزام صناعات التعبئة والتغليف الثقيلة (مثل الوجبات السريعة والتجارة الإلكترونية) بدعم مبادرات مكافحة القاء النفايات عشوائيا.
o تعزيز برامج المسؤولية الممتدة للمنتجين (EPR) وتشجيع التغليف المستدام.
5. دمج التربية البيئية
o تضمين مفاهيم مكافحة الإلقاء العشوائي للنفايات في المناهج المدرسية والأنشطة اللامنهجية.
o توسيع أنشطة النوادي البيئية وبرامج “المدارس الخضراء” تحت إشراف وزارتي البيئة والتعليم.
الخلاصة
إنّ الإلقاء العشوائي للنفايات ليس شعارًا جمالياً فحسب—بل هو تحدٍ نظامي له تبعات بيئية وصحية وحوكمة. يُهدّد التراث الطبيعي في الأردن وحيويته الحضرية بمشكلة التراكم العشوائي للنفايات.
ولحماية مساحاتنا المشتركة، يجب على الأردن تبني استراتيجية وطنية لمكافحة الإلقاء العشوائي للنفايات تستند إلى التنفيذ، والبنية التحتية، والتعليم، والمشاركة المدنية. فالحل لا يكمن في القوانين وحدها، بل في الناس: مواطنون يهمّهم أمر بيئتهم، وسلطات تُنفّذ، ومجتمع يُقدّر بيئته.