Skip to main content

د. اسماعيل ابو عامود/ السياحة الأردنية ومقومات النجاح.. بين التجربة المصرية والواقع المحلي

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

الكاتب



د. اسماعيل ابو عامود

7-9-2025

على الصعيد العالمي، يشهد الطلب السياحي نموًا متزايدًا، ومن المتوقع أن يصل عدد السياح الدوليين إلى 1.8 مليار بحلول عام 2025. هذا النمو يشير إلى وجود فرصة كبيرة للأردن للاستفادة من هذا الاتجاه العالمي، خاصة مع تزايد الطلب على السياحة الثقافية والطبيعية والدينية، وهي مجالات يتميز بها الأردن بفضل وجود مواقع مثل البترا والبحر الميت وجبل نيبو وغيرها الكثير من مواقع الجذب السياحي بمختلف انواعه.

ومع ذلك، يواجه الأردن تحديات كبيرة في تطوير قطاعه السياحي على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها. الأحداث السياسية والاقتصادية والطبيعية والصحية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الطلب السياحي عالميًا، كما شهدنا خلال جائحة كورونا التي أدت إلى تراجع الطلب السياحي عالميًا وإقليميًا إلى مستويات غير مسبوقة. ورغم التعافي التدريجي في العديد من الدول، إلا أن الأردن ما زال يعاني ضعفاً في جذب السياح، وخاصة من الأسواق الرئيسية مثل أوروبا وأميركا وآسيا.

في المقابل، استطاعت مصر أن تحقق نموًا ملحوظًا في قطاع السياحة، حيث استقبلت 15.7 مليون سائح في عام 2024 رغم التحديات الجيوسياسية المحيطة. هذا يدعونا للتساؤل: ما الذي قامت به مصر لتحقيق هذا النجاح، وما الذي يمكن أن نتعلمه من تجربتها لتطوير القطاع السياحي في الأردن؟

ركزت مصر في استراتيجيتها السياحية على عدة محاور أساسية ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز. أولاً، قامت الدولة بتطوير بنيتها التحتية السياحية بشكل ملحوظ، بما في ذلك تحسين الطرق المؤدية إلى المواقع السياحية وتوسيع شبكة المطارات والعمل على انشاء 40 الف غرفة فندقية جديدة. وفي الأردن، يمكننا أن نلاحظ ضعف البنية التحتية بشكل عام، سواء من حيث نوعية الطرق المؤدية إلى الكثير من مناطق الجذب السياحي التراثية منها او الطبيعية أو مستوى الخدمات المتوافرة في هذه المناطق، كما أن عدد الغرف الفندقية لا يزال غير كافٍ لتلبية الطلب ال?حتمل. هذا النقص في البنية التحتية يشكل عقبة رئيسية أمام تطوير القطاع السياحي.

من ناحية أخرى، ركزت مصر على توحيد الجهود تحت مظلة وزارة السياحة كجهة مركزية مسؤولة عن تخطيط وتنفيذ السياسات السياحية. وفي المقابل، يعاني الأردن من تعدد المرجعيات السياحية، مثل سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وسلطة إقليم البترا وشركة تطوير وادي الأردن وهيئة تنشيط السياحة. هذا التشتت في الجهات المسؤولة يؤدي إلى عدم وجود رؤية موحدة لتطوير القطاع، مما يعوق تحقيق الأهداف المرجوة. يجب أن تكون وزارة السياحة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن التخطيط السياحي في الأردن المبني على اسس ودراسات لواقع ومستقبل الطلب السيا?ي العالمي والتوجهات الجديدة في عالم السياحة وتفضيلات المستهلكين، مع وضع استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات كل منطقة وتضمن التنسيق بين جميع الأطراف.

التعاون مع القطاع الخاص هو أيضًا أحد الدروس المهمة التي يمكن أن نتعلمها من التجربة المصرية. في مصر، لعب القطاع الخاص دورًا محوريًا في تطوير البنية التحتية السياحية والتسويق السياحي، حيث قدمت الحكومة حوافز لجذب المستثمرين لبناء وتطوير المنشآت السياحية وعملت على إنشاء بنك لفرص الاستثمار السياحي وتطوير خريطة استثمارية موحدة، وتبسيط إجراءات الموافقات على التراخيص وتحديد الرسوم لضمان التنافسية. كما عملت مصر على استهداف أسواق جديدة وتنويع المنتجات السياحية.

في الأردن، يجب تعزيز هذا التعاون من خلال تقديم تسهيلات استثمارية، مثل تقليل الضرائب وتبسيط الإجراءات الإدارية للمستثمرين. كما يمكن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في تحسين جودة الخدمات السياحية، مثل بناء فنادق جديدة وتطوير المطاعم والمرافق الترفيهية ومنحهم تسهيلات لجذب سياحة خارجية.

من بين النقاط الأخرى التي يجب معالجتها، مسألة القيود على بعض الجنسيات التي ترغب في زيارة الأردن. يجب مراجعة هذه السياسات لتسهيل دخول السياح من الأسواق الرئيسية، بالإضافة إلى وضع خطط تسويقية مبتكرة تستهدف هذه الأسواق. يمكن أن يلعب السفراء الأردنيون في الخارج دورًا أكبر في تحسين صورة الأردن وجذب المزيد من السياح.

في النهاية، تطوير قطاع السياحة في الأردن يتطلب تبني نهج شامل يركز على تحسين البنية التحتية، توحيد الجهود التخطيطية، تعزيز التعاون مع القطاع الخاص، وتبني سياسات تسويقية مبتكرة. من خلال الاستفادة من الدروس المستفادة من التجربة المصرية، يمكن للأردن أن يعزز مكانته كوجهة سياحية رئيسية على الساحة الدولية، مما يسهم في تحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية وزيادة إيراداته من العملة الأجنبية.

— الرأي 12-1-2025

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن