Skip to main content

البترا بين ترحيل الأزمات وضعف القرار: آن أوان الإصلاح الحقيقي لمعاناة البتراء وما تمر به من نقص في اعداد السياح

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

الكاتب



الدكتور سامي الحسنات

15.7.2025

نقل الكاتب الحسنات في مقاله لا يختلف اثنان على أن البترا تمثل حجر الأساس في هوية السياحة الوطنية الأردنية، وموردًا حضاريًا لا يُقدّر بثمن. ومع ذلك، ما تشهده المدينة اليوم من تراجع في الحركة السياحية وتباطؤ في التنمية، ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمية لنهج إداري يميل إلى تأجيل الأزمات بدلاً من مواجهتها بجرأة وكفاءة.

إن هذا التراجع ليس مجرد أرقام على ورق؛ بل هو معاناة يومية تعيشها الأسر، وتحدٍ قاسٍ لأصحاب الفنادق، و المطاعم، و أدلاء السياح، ، محلات التحف التذكارية، والمحلات التجارية، والمشاريع الصغيرة، وغيرهم حيث يواجهون شبح الإغلاق، ويُهدد سبل عيش الآلاف من أبناء المجتمع المحلي الذين تعتمد حياتهم بشكل مباشر على هذا القطاع الحيوي.

 

وعن اجتماع لجنة السياحة النيابية يضيف الحسنات

لقد تابعت باهتمام ما صدر عن اجتماع لجنة السياحة والآثار النيابية، بحضور رئيس سلطة إقليم البترا وعدد من النواب، وما تضمنه من توصيف للتحديات ووعود بالدعم. ومع كامل الاحترام لتلك الجهود، فإنني – كمتخصص في إدارة الأزمات السياحية – أرى أن المعالجة ما زالت سطحية، ولا ترقى إلى مستوى الأزمة المركبة التي تمر بها البترا.

ولا يمكن إنكار أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتصعيد العسكري مع إيران، شكّلت عوامل ضغط كبيرة على حركة السياحة الوافدة إلى الأردن والمنطقة عمومًا. إلا أن هذه الاضطرابات الإقليمية ليست بجديدة؛ فالمنطقة خضعت عبر تاريخها لموجات متكررة من عدم الاستقرار السياسي و الأوبئة. لكن هذا لا يبرر التباطؤ في بناء منظومة إدارة أزمات حقيقية. ولا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار “رحمة الظروف”، بل يجب أن نكون مستعدين للتعامل مع جميع السيناريوهات بمرونة، وتخطيط، واستباق، لا بردود أفعال متأخرة.

 

واقترح الحسنات حلولا لمشكلة البتراء تتمثل في

أولًا: الأزمة هيكلية لا ظرفية
الحديث عن تراجع أعداد الزوار ليس جديدًا، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في استمرار الاعتماد الكامل على السياحة كمصدر دخل شبه وحيد، دون تنويع القاعدة الاقتصادية المحلية.
إن البَترا لا تعاني من انخفاض الزوار فقط، بل من غياب رؤية وطنية شاملة تُعاملها كموقع حيوي يحتاج إلى حلول متكاملة وطويلة الأمد.

ثانيًا: الدولة بحاجة إلى حضور ميداني فاعل
إذا كانت البترا تحتل أولوية حقيقية، فإن الواجب الوطني يقتضي تكثيف الحضور الميداني من أعلى المستويات، والاستماع المباشر إلى الناس، ومعاينة الواقع عن قرب.
من هنا، فإن إدارة الأزمات لا تتم من المكاتب، بل من قلب الحدث. والقرارات الفعالة تحتاج إلى قراءة واقعية من الميدان لا إلى تقارير تُكتب عن بُعد.

ثالثًا: لا مركزية الإدارة ضرورة لا خيار
من غير المنطقي أن تُدار البترا من مكاتب مغلقة خارج الإقليم. المركزية الإدارية والإقصاء غير المعلن للمجتمع المحلي ساهمَا في تآكل الثقة وتباطؤ وتيرة التنمية. وقد حان الوقت لتحويل سلطة إقليم البترا إلى هيئة مستقلة ماليًا وإداريًا بالفعل، خاضعة لمساءلة مجتمعية شفافة، وقادرة على اتخاذ قرارات مرنة وسريعة تستجيب للتحديات المتغيرة.

رابعا لا تنمية بلا تنويع اقتصادي
الاستدامة الاقتصادية في البترا لن تتحقق عبر موسم سياحي متقلّب، بل من خلال بناء منظومة اقتصادية متنوعة تشمل:
* دعم الصناعات الخفيفة والحرفية.
* تطوير الزراعة المحلية الذكية.
* تمويل المشاريع الشبابية والإبداعية.
* ربط الثقافة المحلية بالمنتج السياحي الحديث.
وعليه، فإني أرى بأن كرامة الإنسان تُصان عبر توفير الفرص، لا عبر التصفيق والشعارات.

 

 

ويختتم الحسنات

إن البَترا ليست فقط موقعًا أثريًا، بل إنها مرآة تعكس قدرة الدولة على إدارة مواردها ومجتمعاتها بكفاءة وعدالة.
فإما أن نكسر حلقة الترحيل والتأجيل، أو نواجه المزيد من الإحباط، والفقر، وتلاشي الخبرات، وتآكل الثقة.
لقد آن الأوان أن تُدار البترا بعقل الدولة لا بمزاج الموسمية أو رد الفعل.

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن