Skip to main content

ملتقى مستقبل الإعلام في عمّان: الصحافة في زمن الأزمات

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

23 أيلول –

اختُتمت في عمّان، أول من أمس الأحد، أعمال الملتقى الثالث لمستقبل الإعلام والاتصال، الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحافيين (مؤسّسة مجتمع مدنيّ تنشط في الدفاع عن الحريّات الإعلامية مقرها عمّان) على مدار يومين، تحت شعار “الإعلام من الحرية والحماية إلى التمكين والتغيير”. وقد حظي الملتقى بشراكة إعلامية مع فضاءات ميديا (وتضم تحت مظلتها: موقع وصحيفة العربي الجديد، والتلفزيون العربي، وتلفزيون سوريا).
حضر الفعاليات أكثر من 750 مشاركاً بين صحافيين وصحافيات، وناشطين، وصناع محتوى، وخبراء، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية وإعلامية من مختلف أنحاء العالم، ضمن 33 جلسة حوارية أدارها 32 مسّيراً بمشاركة 98 شخصية محلية ودولية.
منذ انطلاقته الأولى قبل عامين، تحوّل الملتقى من فعالية دورية إلى منصة أردنية – إقليمية تُعنى بطرح الأسئلة الكبرى المرتبطة بحرية الإعلام واستقلاليته في زمن الصراعات والأزمات. في نسخته الثالثة، بدا أن الملتقى يسعى لترسيخ مكانته جسماً مؤسسياً دائماً، عبر توسيع الشراكات مع مؤسسات من القطاعين العام والخاص، إضافة إلى مؤسسات إعلامية محلية ودولية. وقد شدّد مؤسس المركز نضال منصور على أن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد تأسيس هيئة استشارية مستقلة تُشرف على أعمال الملتقى بما يضمن استمراريته.

أسئلة الحرية والحماية في زمن الأزمات

ركزت جلسات الملتقى على تأثيرات الصراع والأزمات على آليات عمل الإعلام، وعلى الإشكاليات المتعمقة في أجواء الاحتقان السياسي. جرى طرح أسئلة محورية: ما هو واقع حماية الصحافيين؟ إلى أي مدى تراجعت أو تقدمت الحريات الإعلامية؟ كيف يبدو الوضع المهني في ظل تراجع التمويل وضعف التدريب؟ وكيف يمكن بناء قدرات الصحافيين والارتقاء بالاحترافية المهنية، في وقت يفرض فيه الذكاء الاصطناعي نفسه لاعباً أساسياً في صناعة الإعلام وصورته؟
في الجلسة الافتتاحية، قال وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني إن الإعلام العربي يجب أن يكون ركيزة للاستقرار والاعتدال في المنطقة. وشدّد على أن مواجهة التضليل والأخبار الكاذبة مسؤولية جماعية وأخلاقية لحماية المجتمعات وأمنها الفكري. وأشار إلى خطوات الأردن في تعزيز الوعي وتشجيع مبادرات التحقق من المعلومات، وريادته الإقليمية في التربية الإعلامية والمعلوماتية، فضلاً عن السعي لدمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي في برامج التوعية المجتمعية.
وأشار منصور إلى الاستهداف المباشر للصحافيين في غزة، حيث استشهد أكثر من 250 صحافياً وصحافية، إضافة إلى الانتهاكات التي تطاول الإعلاميين في سورية ولبنان ودول أخرى. بدوره، كشف مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان للشرق الأوسط وشمال أفريقيا محمد النسور عن استمرار تراجع المنطقة العربية في مؤشرات حرية الصحافة عالمياً، بينما شدّد الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين أنطوني بيلانجي على رفض “الطغيان والمجازر في فلسطين”، معرباً عن أسفه لمقتل الصحافيين في غزة.

سورية ضيفة شرف

اختيرت سورية ضيفة شرف الملتقى، وخُصصت لها جلستان رئيسيتان. الأولى بعنوان “سورية وأسئلة المستقبل: تحديات، رهانات، وقصص نجاح”، شارك فيها فضل عبد الغني (الشبكة السورية لحقوق الإنسان) ومازن درويش (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير) وأنس أزرق (مستشار فضاءات ميديا) ومحمد النسور. وجاءت الجلسة الثانية  بعنوان “الإعلام السوري بين عهدين، التحولات المطلوبة”. شارك فيها براء عثمان (اتحاد الصحافيين السوريين) وعلي حميدي (مدير تلفزيون سوريا) ولمى راجح (رابطة الصحافيين السوريين)، وأدارتها الإعلامية نور الهدى مراد. وتركز النقاش تركز على تجربة تلفزيون سوريا والعمل النقابي في العهد الجديد.

مسارات الملتقى

اعتمدت دورة هذا العام ثلاثة مسارات متوازية إلى جانب الجلسات العامة.

  • الأول: التمكين والتغيير. تناول تطوير مهارات الصحافيين وتعزيز دور الإعلام في التغيير الاجتماعي والسياسي، بما في ذلك قضايا مثل مستقبل الصحافة الورقية، والمشاركة السياسية للشباب، والعدالة المناخية.
  • الثاني: الحماية والسلامة المهنية والأمن الرقمي. ركّز على واقع حماية الصحافيين، والتحديات القانونية في الفضاء الرقمي، وتأثير الحروب على حرية الإعلام.
  • الثالث: الإعلام الجديد والتكنولوجيا. سلط الضوء على الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي والتحولات في صناعة المحتوى.

وطرحت الجلسات العامة قضايا إقليمية كبرى مثل تحولات الشرق الأوسط الجديد، ومستقبل سورية، وانعكاسات حرب غزّة على الحريات الإعلامية، وهو ما جعل الملتقى يراوح بين البعدين السياسي الإقليمي والمهني المحلي.
وأثارت جلسة “الصحافة الورقية والتحولات الرقمية: حقيقة أم شراء للوقت قبل الوداع؟” نقاشاً واسعاً بين رؤساء تحرير صحف عدة، منهم معن البياري (رئيس تحرير صحيفة العربي الجديد) ومكرم الطراونة (رئيس تحرير صحيفة الغد) وخالد الشقران (رئيس تحرير صحيفة الرأي). عبّر المشاركون عن مخاوف من فقدان الصحف مصادر تمويلها إذا انتقلت الإعلانات الحكومية والقضائية إلى المنصات الرقمية. وجذبت جلسات أخرى اهتماماً متبايناً، مثل “مستقبل الصحافة الخليجية” التي ناقشت التحولات الرقمية وأدوار المرأة، أو جلسة “الترند على حساب المصداقية” التي استقطبت جمهوراً مهتماً بموضوع الأخبار الزائفة، بينما حضرت بعض الجلسات الأخرى بأعداد أقل، خاصة تلك التقنية التخصصية. هذا التفاوت عكس اختلاف الاهتمامات بين المشاركين: طلاب الإعلام تفاعلوا مع ورش الذكاء الاصطناعي، بينما جذبت القضايا السياسية صانعي القرار والخبراء.

وفي جلسة بعنوان “استقلالية وسائل الإعلام: حقيقة ممكنة أم مجرّد وهم؟”، اجتمع نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي، ورئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة سعد الرميحي، ونائبة رئيس شبكة “سي أن أن” كارولين فرج، ورئيسة تحرير موقع العربية فلكس منى بوصفوان، في نقاش تناول حدود استقلالية الإعلام وإمكاناتها في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة.
ولم تقتصر مخرجات الملتقى على النقاشات النظرية، بل شملت خطوطاً عملية. من أبرزها الدعوة إلى تطوير نماذج تمويل جديدة للإعلام المستقل بعيداً عن أجندات المانحين، والتأكيد على بروتوكولات سلامة للصحافيين في مناطق النزاع، وإعادة تعريف “الصحافي” ليشمل صانعي المحتوى المستقلين. كما أوصت الجلسات بضرورة أن تضع غرف الأخبار استراتيجيات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وأكدت أن النقابات بحاجة إلى تجديد أدوارها حتى لا تبقى أسيرة الانقسامات أو القيود الرسمية.

منصور: الإعلام يكرر أسئلته

وقال مؤسس مركز حماية وحرية الصحافيين نضال منصور، لـ”العربي الجديد” إن الإعلام ما زال يكرّر الأسئلة نفسها منذ 20 عاماً، رغم تغيّر الواقع جذرياً. فالصحافة الورقية تكافح للبقاء، وحريات الصحافة تتراجع، بينما الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه عاملاً أساسياً يعيد تشكيل الصناعة. وأشار إلى أن الاستهداف الممنهج للصحافيين، خاصة في غزة، يجري وسط إفلات كامل من العقاب، ما يضع المؤسسات الحقوقية أمام أزمة أخلاقية. لكنه شدّد على أن الاستسلام ليس خياراً: “ما لم يكن هناك تصور متفق عليه بين الصحافيين أنفسهم وتفاهمات مع الحكومات، لن يكون هناك مستقبل لإعلام مستقل وحر”.

الشباب والرهان على المستقبل

أحد المحاور التي شدد عليها منصور، خلال الملتقى الثالث لمستقبل الإعلام والاتصال، كان إتاحة الفرص للشباب. رغم أن مشاركتهم بدت محدودة هذا العام لأسباب تتعلق بالمكان والتمويل، إلا أنه دعا إلى منحهم مساحة أكبر في الدورات المقبلة. فالشباب، برأيه، هم الأكثر استعداداً للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، والأقدر على إدخال أساليب جديدة في صناعة الإعلام، قائلاً: “نحن بحاجة إلى أن نفتح الباب على أوسع نطاق أمام جيل جديد من الصحافيين وصنّاع المحتوى. هؤلاء الشباب يملكون الجرأة والطاقة، وهم الأقدر على استخدام التكنولوجيا الجديدة، وإذا لم نوفر لهم مساحة المشاركة والتأثير، فإننا نخسر فرصة أساسية لتجديد المشهد الإعلامي”.
رغم أن الملتقى لا يقدّم حلولاً نهائية لمختلف الأزمات التي تواجه الإعلام والعاملين فيه بالعالم العربي، إلا أن قيمته تكمن في كونه مساحة حوار نادرة تجمع الإعلاميين مع صناع القرار والحقوقيين والطلاب. الأثر المباشر يتمثل في رفع الوعي بضرورة مواجهة التحولات التكنولوجية والسياسية بأدوات جديدة، بينما الأثر البعيد يرتبط بقدرة الملتقى على التحول إلى مؤسسة مرجعية دائمة، تتابع مخرجاتها وتحوّلها إلى سياسات وتوصيات عملية.
بهذا المعنى، يرسّخ ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال نفسه تجربة أردنية رائدة، تحمل رسائل إقليمية ودولية، وتؤكد أن صناعة الإعلام لا تنفصل عن صناعة السياسة، ولا عن نضال المجتمعات من أجل حرية الكلمة.

–العربي الجديد

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن