Skip to main content

محمد بلقر / الوفاء الصامت

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

الكاتب



محمد بلقر
28.8.2025

في مؤسسات الدولة ومرافقها الحساسة، لا تُقاس المناصب بما تمنحه من صلاحيات، بل بما تضعه من أمانات ثقيلة على عاتق من يَشغلها. فشاغل الموقع منذ لحظة تكليفه ، يصبح طرفاً في عقد غير مكتوب مع الدولة والمجتمع، عقد من الثقة والوفاء، يبدأ مع تسلًمه المهام ويستمر حتى بعد مغادرته الموقع، فالثقة لا تنتهي بإنتهاء فترة الخدمة، والسرية لا تسقط بخروج شاغل الموقع من مكتبه. فالأمانة لا تُقاس بالمدة الزمنية، بل توزن بميزان القيم والإلتزام، وبمدى إحترام صاحبها لقدسية موقعه، وما أؤتمن عليه من معلومات.

إن ما يدور في أروقة القرار، وما يقال في الإجتماعات المغلقة، وما يُقر من إستراتيجيات ويُتخذ من قرارات، يظل مُلكاً للمؤسسة لا للأفراد، ليست من حق من حضر، ولا من وقع، ولا من سمع، أن ينقله خارج سياقه. وحين تغادر الكلمات مكانها، تفقد معناها، وتُقال أشياء كان يجب أن تبقى حيث ولدت، وليس كل ما يعرف يقال، ولا كل ما يُقال يُنشر، ولا كل ما يُنشر يُبرر.

الكتمان بعد المسؤولية ليس خياراً، بل واجب مهني وأخلاقي. وركيزة من ركائز الثقة المؤسسية. والمؤسسات لا تبنى بالكفاءات وحدها ، بل تصان أيضا بالمواقف التي تحترم أسرارها وتحفظ ما يؤتمن عليه أصحابها، حتى بعد مغادرتهم مواقعهم.

كتمان السر في بيئة العمل ليس فقط قيمة مهنية، بل هو أساس الارتقاء المؤسسي والإنساني معاً. فالمناصب زائلة، أما الأمانة فتبقى، وشرف الكلمة يظل شاهداً على معدن الرجال وصدق الوفاء.

ومما يجدر ذكره أن قيمة الكتمان لا تقتصر على حماية المعلومات، بل تمتد لتشمل تعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته، وترسيخ صورة المسؤول بإعتباره نموذجاً للإلتزام والإنضباط. فالصَمت الحكيم أحياناً أبلغ من أي تصريح، وهو ما يجعل من التجربة الوظيفية صفحة مشرفة في سجل خدمة الوطن.

كما أن إحترام سرية العمل يظل علامة على نضج المؤسسات ورقيها، إذ لا تُقاس قوتها بما تُنتج فقط من قرارات، بل تُحافظ عليه من ثقة عميقة بين أركانها ومن يتولون إدارتها، وحين تترسخ هذه الثقة، تصبح الوظيفة تكليفاً ورسالة، لا مجرد موقع عابر، ويغدو شاغل الموقع شاهداً على الأمانة لا ناقلاً لإسرارها.

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن