
الكاتب
الدكتور هاني الضمور
تطرق الكاتب الضمور في مقاله الى ابرز التحديات والتي تواجه التعليم العالي في الاردن كونه جسر يعبر من خلاله الطالب الى المستقبل واضاف يقول في مقاله
حين نعيد التأمل في العبارة الخالدة التي قالها الراحل الكبير، الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه: “الإنسان أغلى ما نملك”، ندرك أنها لم تكن مجرد شعار مرحلي، ولا جملة عاطفية تصلح لافتتاحية خطاب، بل كانت تلخيصًا عميقًا لفلسفة بناء الدولة الأردنية الحديثة. دولة اعتمدت على الإنسان قبل الحجر، وعلى العقل قبل الموارد، وعلى المعرفة قبل أي ثروة أخرى.
ولأن الإنسان هو الأغلى، كان التعليم – وبالأخص التعليم العالي – هو الجسر الذي تعبر به الأوطان إلى المستقبل. من هنا، لا يمكن التعامل مع التعليم العالي على أنه قطاع إداري تقليدي، أو عبء على الموازنة العامة، بل يجب أن يُنظر إليه بوصفه استثمارًا وطنيًا في رأس المال البشري، وأداة استراتيجية لضمان الاستقرار والتنمية والسيادة المعرفية..
.
واشار الضمور في مقاله الى منظومة التعليم في الاردن حيث وصفها بحد بقوله
لقد نجح الأردن، منذ تأسيسه، في بناء منظومة جامعية تُعد من بين الأسبق والأكثر احترامًا في الإقليم. جامعاتنا خرّجت الآلاف من الشباب الذين انتشروا في العالم العربي والغربي، واحتلوا مواقع علمية ومهنية متقدمة، ورفعوا اسم الأردن حيثما حلّوا. كانت الجامعات الأردنية مرآة لطموح الدولة، ومنارةً لطبقة واسعة من الشباب الذين لم يكن لهم من وسيلة للارتقاء سوى التعليم.
لكن التعليم العالي – كغيره من القطاعات – لم يسلم من التحديات والتراكمات. بعضها موروث، وبعضها طارئ، وبعضها نتيجة لتحولات عالمية فرضت إيقاعًا جديدًا لم يكن من السهل التكيّف معه بسرعة. ومع ذلك، فإن القطاع لم يفقد قدرته على العطاء، ولم تتراجع تمامًا مكانته، بل ما يزال يحتفظ بجذوة الأمل، وبفرص حقيقية للنهوض، إذا ما أُدير بعقلانية، ووفق رؤية إصلاحية مستندة إلى شراكة وطنية….
وذكر الضمور ابرز ما يميز التعليم في الاردن حيث قال
إن ما يميز التعليم العالي في الأردن ليس فقط تاريخه، ولا عدد الجامعات أو الخريجين، بل مرونته وقابليته للتطور إذا ما توافرت له البيئة المناسبة. فالمشكلة ليست في المؤسسة، بل في السياسات التي تُحاصرها أحيانًا، وفي غياب التقييم الحقيقي للأداء، وفي التسرع أحيانًا في إطلاق الأحكام قبل إعطاء الوقت والمساحة للتطور المؤسسي الطبيعي.
نحتاج اليوم إلى خطاب وطني جديد، لا يتعامل مع الجامعة كمجرد رقم في موازنة الدولة، بل كمحرك تنموي رئيس، وكأداة إنتاج للمعرفة وحاضنة للكفاءات. هذا الخطاب يجب أن يُبنى على الثقة، لا على الشك، وعلى التشجيع، لا على التخويف، وعلى التقييم العلمي، لا على الانطباع الإعلامي..
وفي ضوء مقولة الحسين – الإنسان أغلى ما نملك – فإن ما يُصرف على الجامعات، وما يُستثمر فيها من وقت وجهد، لا يجب أن يُنظر إليه ككلفة، بل كركيزة من ركائز الأمن الوطني. فالإنسان المتعلم، هو الأقدر على التمييز، وهو الأقدر على الإبداع، وهو الأكثر صلابة في وجه التحديات، وهو صمام الأمان في زمن الأزمات والتحولات.
ويختم الضمور
إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بالتهشيم أو الهدم، بل يبدأ بإعادة بناء الثقة داخل المؤسسة التعليمية، وبينها وبين المجتمع. الإصلاح يبدأ حين يشعر الطالب أن جامعته تحترمه، وحين يشعر عضو هيئة التدريس أن جهده مقدَّر، وحين تتعامل الدولة مع الجامعة كشريك لا كمتهم. ومن دون هذه المعادلة، سنظل نراوح في مكاننا، أو نتراجع.
إن الحاجة اليوم ليست فقط إلى مراجعة أكاديمية داخل الجامعات، بل إلى رؤية وطنية متكاملة تعيد تعريف موقع التعليم العالي في الدولة. رؤية تشارك فيها الحكومة، ومجالس الأمناء، والهيئات الرقابية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، ليكون التعليم مشروع دولة لا مهمة وزارة فقط.
إننا لا نكتب دفاعًا عن أخطاء، ولا تجميلًا للواقع، بل نكتب من إيمان بأن ما لدينا يستحق أن نُحسّنه لا أن نحطّمه. فجامعاتنا، مهما اعتراها من ضعف، ما زالت تمتلك الأمل، والموارد البشرية، والعقول المضيئة التي تنتظر الفرصة، لا المعاقبة.