Skip to main content

د. محمود أبو فروة الرجبي /أطفالنا والعيش مع الأفاعي الرقمية

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

الكاتب



د. محمود أبو فروة الرجبي

7.9.2025

أجادل دائمًا على أن تدريب الأطفال على استخدام الإنترنت، والتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي، وصناعة وتلقي الـمحتوى أصبحت حاجة ملحة، وليس مجرد ترف، فما يحصل من نقاشات حادة على الإنترنت، وتداول لمحتويات غير صحيحة، وتقبل غالبية الـمواطنين في العالم كله وليس الأردن فقط للمحتوى المضلل يحتم علينا هذا الحل.

أردنيًا، أظهر استطلاع لبرنامج السلامة الرقمية في الأردن أن حوالي 97 % من الأطفال بين 4 و10 سنوات يستخدمون الإنترنت يوميًا لمدة ساعة إلى 6 ساعات، كما تبين أن منصة يوتيوب هي الأكثر جذبًا للأطفال في هذه الفئة، إذ يتابعها حوالي 74.1 % من الأطفال تحت سن 10 سنوات.
وفي السياق نفسه تحظى الألعاب الرقمية بشعبية ملحوظة؛ فقد أفاد استطلاع آخر أن قرابة 30 % من الأطفال يستخدمون بعض هذه  الألعاب بشكل منتظم. وبالنسبة للأطفال الأكبر سنًا (10 – 17 عامًا)، أظهرت دراسة حديثة أن 76.7 % منهم يتصفحون الإنترنت يوميًا، وأكثر من نصف الأطفال لديهم أجهزتهم الخاصة للاتصال بالشبكة ، مما يشير إلى استقلالية أكبر في استخدام هذه الأجهزة، والتقنيات.
وعلى الرغم من انتشار استخدام الإنترنت، فإن 7.8 % فقط من الأهالي في الأردن يقومون بحجب المواقع غير المناسبة عن أطفالهم، مما يفتح المجال لمخاطر التعرض لمحتوى غير ملائم إن لم تتم توعية الطفل بالشكل الكافي، وللأسف ليس لدينا إحصائية حديثة جدًا تبين مدى متابعة الأهل لما يفعله الأطفال أثناء وجودهم في العالم الافتراضي الرقمي.
لننتقل إلى عالم الكبار، حيث ينتشر الـمحتوى المضلل في كل مكان، ويكفي أن تتابع مجموعة واتساب، لتتلقى سيلاً من الفيديوهات والنصوص التي تحتوي معلومات كاذبة، أو نصائح غير مجدية، أو أمورًا تخالف العقل والمنطق، وفي مجال الإشاعات يكفي أن يطلق أحدهم – بعفوية أو بأجندة غير حميدة – معلومة كاذبة، ليتلقاها عدد هائل من الناس، ويعيدوا نشرها، ويتفاعلوا معها، فتصنفها الخوارزميات على أنها محتوى جيد، فتنتشر فيروسيًا، وتصبح بالنسبة لغالبية الناس حقيقة، قد تتوج بسلوك غير مناسب، أو بتغيير عقائد، أو آراء، وفي غالبيتها تضر بنا، ولا تساهم في بناء جبهة داخلية متينة قادرة على مواجهة الأخطار المتعددة التي نواجهها في عالم أصبح أكثر تعقيدًا.
وإذا حللنا مجموعة من التعليقات المنشرة في منصات التواصل الاجتماعي، نلاحظ أن البعض يناقش دون وجود إطار فكري لكلامه، ولا يستند في ما يقوله إلى منطق علمي، أو عقلي، وتتفاجأ عند مراجعة بعض الحسابات لأشخاص حقيقيين – ولا أناقش هنا البوتات أو الحسابات الوهمية- أن لدى بعضهم شهادات عليا، ولكنهم لا يمتلكون الحد الأدنى من أدب الحوار، بل إن بعضهم يناقش بطريقة غوغائية، وقد يصل به الأمر إلى الإساءة إلى الآخرين، أو خدش الوحدة الوطنية، أو تكفير الآخرين دينيًا أو وطنيًا دون امتلاك أدنى درجات الحجة.
بناء على ما سبق كله، فلا بد من إعادة هندسة الثقافة السائدة في الـمجتمع، كي نتمكن من بناء عقلية لدى المواطن – منذ صغره- تجعله محصنًا ضد تقبل الشائعات، والتضليل، وفي الوقت نفسه يكون قادرًا على إنتاج محتوى رقمي صديق للوطنية، مسلحًا بمنطق الحوار، يتقبل الرأي الآخر، ويناقش بمنطقية من يتقبل الحجة والمنطق، ويغير رأيه بناء عليها.
حسب وجهة نظري، ومع احترامي للجهود المبذولة في التربية الإعلامية في بلدنا الغالي الأردن، وبعض دول وطننا العزيز العربي، ولكن ذلك لن يكفي، وأنا أدلل على كلامي دائمًا بموضوع تعلم اللغتين العربية والإنجليزية، ومخرجاتها التي لا تصل إلى حد إرضائنا رغم العدد الهائل من الحصص المدرسية التي يتلقاها الطلبة، وبالمواد الأخرى التي تعتمد في غالبيتها على التلقين، ولا تبني عقلاً ناقدًا، ولا تدرب الأطفال على إجراء حوار مبني على المنطق، والحجج الـمختلفة، لذلك؛ فيجب القيام بجهود مختلفة للتكامل مع هذه التربية لنحقق أهدافنا – وسأكتب مقالاً بالتفصيل حول اقتراحي من أجل تغيير التعامل معها-.
من الـمهم إشاعة ثقافة الحوار في الـمجتمع، وهذا يتطلب إطلاق الحريات العامة، والتوجه نحو الديمقراطية المتدرجة الـمسؤولة، وترسيخ احترام حقوق الإنسان في الـمجتمع، وإزالة كل إشكال التمييز الـمخالفة للقانون والدستور، والعمل على تحريك الاقتصاد، وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة للمواطن، لأن جزءًا من الثقافة الإيجابية يأتي من توفير متطلبات العيش للناس، وفوق ذلك، إطلاق برنامج وطني لتدريب الأمهات على التعامل مع الإنترنت، سواء من حيث تلقي الـمعلومات، أو بناء الـمحتوى، والقاعدة العقلية تقول دائمًا إن الأم هي الأقدر على تغيير الـمجتمع، وعندما تمتلك الأمهات مهارات معينة، ينعكس ذلك، على الأطفال، والعائلة.
يمكن من خلال تكامل جهود وزارة الثقافة، والأوقاف، ووسائل الإعلام، ومنظمات الـمجتمع المدني تنفيذ مثل هذه المشاريع، كما أن وزارة التربية تستطيع عمل ذلك من خلال أمهات طلبتها، وهذا الأمر يحتاج إلى القيام به، دون مجاملات، وأن يتم اختيار القائمين عليه ضمن معايير لا مفاصلة فيها.
في الخلاصة غياب التربية الرقمية، والاستهانة بمخاطر التضليل، يعني ببساطة أننا نترك الأفاعي تعيش في فراشنا، وهذا يؤدي بنا إلى القول إن المطلوب اليوم ليس محاربة التقنية، بل تسخيرها لبناء عقلية نقدية لدى الأطفال، وترسيخ مواطنة رقمية إيجابية، وإعداد أسر تمتلك الوعي الرقمي. حينها فقط نضمن جيلًا لا يلدغ من جحر الإشاعات والتضليل، والـمحتوى الخادش للوحدة الوطنية مرتين.https://youtu.be/HvpEonzDlsA

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن