
الكاتب
د.عامر بني أحمد
26.8.2025
في الوقت الذي يجب أن تكون فيه المستشفيات أماكن أمان وخدمة إنسانية، تشهد أقسام الطوارئ والعيادات تزايدًا في حالات العنف ضد الأطباء والممرضين، ما يهدد النظام الصحي برمّته. تشير الدراسات إلى أن 8 من كل 10 ممرضين تعرضوا لعنف لفظي خلال العام الأخير، فيما واجه ربعهم اعتداءات جسدية. كما أكد أكثر من 60% من الأطباء أنهم تعرضوا للاعتداء أثناء عملهم، ومعظم هذه الحوادث تنتهي دون محاسبة، ما يترك الكوادر الطبية في حالة من الإحباط والخذلان.
لقد أثبتت جائحة كورونا أن الأطباء والممرضين هم خط الدفاع الأول، وأنهم يستحقون أن يُنظر إليهم كأبطال حقيقيين. فقد وصفهم جلالة الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني بـ “الجيش الأبيض” الذين تصدوا بشجاعة وتفانٍ للجائحة، مقدمين أرواحهم وصحتهم من أجل الوطن. هذه المكانة الرمزية تضع مسؤولية حمايتهم على عاتق الدولة والمجتمع.
وطننا الحبيب الأردن، الذي صمد في أصعب الظروف وأثبت أبناؤه من الجيش الأبيض شجاعة وتفانيًا خلال جائحة كورونا، يستحق أن نوفر له نظامًا صحيًا آمنًا يليق بتضحيات كوادره. فالوطن القوي يبدأ من حماية أبطاله، وصحة المواطن لن تُصان إلا بسلامة من يرعاه.
تنامي هذه الظاهرة يرتبط باكتظاظ المستشفيات، ضعف البنية التحتية، نقص الكوادر، وغياب الإجراءات الأمنية الواضحة. كما أن تراخي العقوبات بحق المعتدين جعل الاعتداءات أمرًا متكررًا. لمواجهة ذلك، هناك حاجة إلى رؤية وطنية شاملة تقوم على: تغليظ العقوبات وتفعيل القانون، تعزيز الأمن داخل المستشفيات بكوادر مدرّبة وكاميرات مراقبة، وإطلاق حملات وطنية توعوية تؤكد أن الاعتداء على الطبيب أو الممرض هو اعتداء على حق المواطن في العلاج.
إن الطب والتمريض رسالة إنسانية قبل أن تكون مهنة. حمايتهم واجب وطني وأساس لضمان رعاية صحية آمنة لكل مواطن. فسلامة الكوادر الطبية تعني استمرار عطائهم، وأمنهم هو صمام أمان لصحة المجتمع بأسره. ولأن الوطن القوي يُبنى على أكتاف أبنائه، فإن حماية جيشه الأبيض اليوم هي الضمانة الحقيقية لمستقبل صحي أكثر أمانًا وعدالة.
إن الاستثمار في حماية وسلامة كوادرنا الطبية ليس فقط دفاعًا عنهم، بل هو استثمار في مستقبل الوطن وصحة أجياله القادمة. فالرعاية الصحية الآمنة هي حجر الأساس في بناء مجتمع قوي مزدهر.