Skip to main content

د. حمد الكساسبة / هل إصلاح القطاع الخاص ضروري لتمكين الرؤية الاقتصادية من أهدافها؟

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

الكاتب



د. حمد الكساسبة

10.8.2025

بعد مرور ثلاث سنوات على إطلاق الرؤية الاقتصادية، التي تفترض شراكة فاعلة مع القطاع الخاص، تتطلب المرحلة المقبلة تسريع التنفيذ وتعزيز قدرة هذا القطاع على لعب دوره الكامل كشريك رئيسي في التنمية. وهنا يبرز تساؤل مشروع: ما الذي يحتاجه القطاع الخاص ليقوم بدوره بفاعلية أكبر؟ وكيف يمكن معالجة الفجوات القائمة لضمان تحقيق أهداف الرؤية بالشكل المأمول ضمن الأفق الزمني المحدد حتى عام 2033؟

الرؤية كانت مدركة منذ البداية لجملة من العوائق التي تحد من قدرة القطاع الخاص على قيادة التنمية، وقد شخّصت العديد من نقاط الضعف البنيوية التي يعاني منها. ومن أبرز هذه التحديات ما يتعلق بضعف التدريب المهني، ومحدودية المهارات المطلوبة في سوق العمل، وانخفاض معدلات الاستثمار المحلي، وضعف الوصول إلى التمويل طويل الأجل، وتباطؤ الإجراءات الإدارية والبيروقراطية. كما أشارت الرؤية إلى ضرورة تحسين بيئة الأعمال وتحفيز الابتكار وتطوير البنية التحتية الرقمية.

لكن في المقابل، هناك تحديات أخرى لم تحظَ بالتركيز الكافي في وثائق الرؤية، مثل ضعف المنافسة الداخلية، واتساع الاقتصاد غير المنظم، والحاجة إلى إصلاحات تشريعية تدعم الشفافية والحوكمة داخل الشركات، إلى جانب محدودية التنوع القطاعي، وغياب أدوات مالية متقدمة مثل سندات التنمية وصناديق الاستثمار المتخصصة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي لا تتجاوز 55%، وهي نسبة أدنى من المتوسطات المسجلة في دول ذات ظروف اقتصادية مماثلة.

في هذا السياق، يُعد تفعيل دور المناطق التنموية والصناديق الاستثمارية والمدن الصناعية أداة محورية لتعزيز دور القطاع الخاص. وقد أُنشئت هذه المنصات لتوزيع النشاط الاقتصادي وتحقيق تنمية متوازنة جغرافيًا. غير أن ضعف الربط بينها وبين سياسات التعليم والتشغيل والبحث والتطوير، قلل من فاعليتها. ويمكن إعادة توجيه هذه المناطق نحو الصناعات ذات القيمة المضافة والقطاعات التي تستهدفها الرؤية، لتصبح حواضن لنمو الشركات الناشئة وتوليد الوظائف النوعية.

ولا يزال الجهاز المصرفي يميل إلى تمويل الأنشطة قصيرة الأجل، بينما تواجه المشاريع الإنتاجية صعوبات في الحصول على التمويل الميسر والمستدام. ويدعو ذلك إلى تصميم أدوات تمويل مبتكرة تلبي احتياجات هذه القطاعات، وتشجع على الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر.

أما في جانب التصدير، فقد أولت الرؤية هذا المحور اهتمامًا كبيرًا باعتباره محرّكًا رئيسيًا للنمو. لكنها لم تُعالج بشكل كافٍ بعض العقبات المرتبطة بالنفاذ إلى الأسواق الخارجية، وضعف الخدمات اللوجستية، والحاجة إلى تحفيز التعاون بين الشركات المحلية والمستثمرين الأجانب. هذه الفجوات تجعل قطاع التصدير غير قادر على أداء دوره الكامل في تحقيق اختراقات جديدة في الأسواق العالمية.

كما تُظهر تجارب دول مثل تركيا وماليزيا أن إصلاح القطاع الخاص وتوجيهه نحو الإنتاجية والشراكة مع الدولة يمكن أن يحقق قفزات اقتصادية حقيقية. فقد نجحت تركيا في رفع مساهمة قطاعها الخاص من خلال تبسيط الإجراءات، وتعزيز الصادرات الصناعية، وتفعيل الشراكة مع الجامعات. فيما ركزت ماليزيا على التحول نحو الاقتصاد الرقمي، والتصنيع الذكي، وتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة، وهو ما عزز من جاذبيتها للاستثمار وساهم في تقليل البطالة وتعزيز التنافسية.

ولا يقتصر تمكين القطاع الخاص على البُعد الاقتصادي فحسب، بل له انعكاسات اجتماعية مباشرة وعميقة. فكل تحسُّن في بيئة الأعمال يعني مزيدًا من فرص العمل، وتوسيعًا للطبقة الوسطى، وتقليصًا للاعتماد على التوظيف الحكومي، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. وعندما تُهيأ للقطاع الخاص بيئة محفّزة، يصبح شريكًا فاعلًا في تحسين جودة الحياة، وتقليل الفجوات التنموية، وتوفير حلول عملية لقضايا مثل البطالة وتمكين الشباب والنساء.

خلاصة القول إن إصلاح القطاع الخاص ليس مجرد هدف اقتصادي، بل ضرورة استراتيجية لإنجاح الرؤية الوطنية. إن بقاء الاختلالات البنيوية من دون معالجة، سيُبقي مساهمة هذا القطاع دون المستوى المطلوب، ويجعل تنفيذ الرؤية وتحقيق أهدافها يواجه تحديات كبيرة. لذلك، فإن تمكين القطاع الخاص من خلال إصلاحات حقيقية وبيئة ممكنة هو المدخل الأساس لتحقيق انطلاقة اقتصادية شاملة ومستدامة.

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن