
الكاتب
فداء الروابدة
31.7.2025
إن علاقة تغيير الخارطة الزراعية في الأردن بالظروف المحيطة هام جداً، كون السياسات الزراعية لا تتأثر فقط بالعوامل الداخلية، بل أيضاً بما يجري في الإقليم والعالم. فالأزمات والإضطرابات في دول الجوار والعالم أثرت على طرق التجارة، مما يفرض ضرورة تغيير نوعية المحاصيل نحو ما يُستهلك محلياً أكثر بدل الإعتماد على الإستيراد والتصدير فقط،وكان لللاجئين دور في الضغط على الموارد الطبيعية، خصوصاً المياه، ورفع الطلب على الغذاء، مما يتطلب أيضاً خارطة زراعية تُعزز الإنتاج الغذائي المحلي. عدا عن التحولات في التجارة الإقليمية والعالمية وتغيًر قواعد التصدير والإستيراد (مثل شروط الجودة، واستخدام نظام التتبع، والتركيز على متبقيات المبيدات) وهذا يدعو لزراعة محاصيل ذات جدوى تسويقية أعلى وتتناسب مع المعايير الجديدة. وفي ظل الأزمات المختلفة مثل الحروب وأزمة كورونا والتغيرات المناخية تفاقمت مشكلة سلاسل الإمداد العالمية مما يعني تعزيز الحاجة للإعتماد على الذات زراعياً. وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وإرتفاع أسعار المدخلات الإنتاجية من مياه،أسمدة، طاقة، مستلزمات زراعة وغيرها وفي ظل التضخم العالمي ما يفرض التحول إلى محاصيل أقل كلفة وأكثر مقاومة للآفات المختلفة والظروف المناخية الحالية مع ضرورة العمل على إنتاج محاصيل استراتيجية لتقليل حجم الإستيراد.
وحتى التغيرات المناخية عابرة للحدود فلا يكون إرتفاع درجات الحرارة محلياً فقط، بل جزء من تغيرات إقليمية تؤثر على وفرة المياه وتقلب الطقس،كما تؤثر موجات الحرارة أو الفيضانات في دول أخرى على السوق العالمية، مما يستدعي تنفيذ خطوات مسبقة لهذه التغيرات محلياً بتغيير الخارطة الزراعية، والتنافس على مصادر المياه المشتركة بين الأردن وسوريا وفلسطين وغيرها أيضاً يلعب دور كبير،حيث يعتبر أي تراجع في هذه المصادر يزيد من ضرورة زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، وإعادة توزيع المساحات الزراعية.
وقد لعبت الظروف المحيطة والإقليمية دور سلبي على القرار الزراعي خاصة الصراعات الإقليمية وعدم الإستقرار مثل الحرب في سوريا والتي أثرت على تجارة المنتجات الزراعية، وأوقفت تصدير العديد من المحاصيل عبر المعابر الشمالية للأردن ، والتوترات مع جهة الإحتلال تُضعف قدرة الأردن على التحكم في مصادر المياه المشتركة (نهر الأردن، نهر اليرموك)، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من اللاجئين في الأردن حالياً مما زاد الضغط على الغذاء والماء والخدمات.
ومما دعا إلى تغير الأولويات الجيوسياسية في الاردن ،فقد أصبح الأمن الغذائي قضية سيادية بعد كورونا وأزمات الغذاء العالمية وباتت الدول تعيد النظر في إعتمادها على الإستيراد والأردن من بينها بحاجة لتعزيز زراعته الداخلية.
وتأثُر الوضع الإقتصادي له دوره في إعادة تشكيل الخارطة الزراعية ،كون إرتفاع كلفة الإنتاج الزراعي في الزراعة التقليدية يزيد من إرتفاع أسعار الوقود ومدخلات الإنتاج المستوردة ،ويدفع ذلك إلى البحث عن محاصيل ذات هامش ربح أعلى وإستهلاك مائي أقل، مثل النباتات العطرية والطبية، أو الزراعة المحمية.
أما سوق العمل الزراعي فإن معظم العاملين في الزراعة هم من العمالة الوافدة ، وهذا يضعف الإستقرار في القطاع عدا عن الحاجة إلى ميكنة الزراعة وتطوير مهارات المزارعين المحليين والتي أصبحت ضرورة، وتراجع قدرة التسويق والتصدير من الإنتاج الفائض دون قدرة على تصريفه يؤدي لخسائر جمة مما يدعو الى ربط الخارطة الزراعية بخطط التسويق المحلية والخارجية، عبر سلاسل قيمة فعالة ومراكز تجميع حديثة.
في الخلاصة إن الظروف المحيطة من نزاعات إقليمية إلى تحولات إقتصادية ومناخية تفرض واقعاً جديداً لا يمكن للأردن تجاهله. وإن إعادة تشكيل الخارطة الزراعية لم تعد خياراً تنموياً فقط، بل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي والإقتصادي والسياسي في ظل بيئة غير مستقرة إقليمياً ودولياً.