Skip to main content

الفلفل الأحمر .. ذهب تونسي يُصنَع بأيادٍ نسائية

» المشاركة على منصات التواصل الإجتماعي :

في قلب الوطن القبلي شرق تونس، حيث تتعانق الأرض والهضاب الخصبة مع نسائم البحر الأبيض المتوسط، تتحول حقول الفلفل الأحمر في أواخر الصيف إلى لوحات زاهية الألوان تنطلق منها رائحة زكية تضفي على المشهد جمالية تلامس الروح.
هناك تبدأ رحلة صناعة “الهريسة التونسية”، هذا الكنز الغذائي الذي تجاوز حدود المطبخ المحلي ليصبح علامة مميزة للتراث التونسي، حيث أصبحت الهريسة تتجول في الموائد المغاربية وحتى بعض الموائد العربية لما لها من شهرة واسعة.
وتتولى النسوة، وهن الحارسات الأمينات لهذه الحرفة التقليدية، مهمة جمع حبات الفلفل بعناية، قبل أن ينطلق المشهد الأكثر جمالًا، وهو صفوف طويلة من الفلفل الممدد على أسطح البيوت والحقول تحت أشعة الشمس الحارقة، لتجفف الطبيعة هذه الثمار وتكثف نكهتها.
مشهد يختزل ذاكرة جماعية تتوارثها الأجيال، وبعد اكتمال عملية التجفيف، يُنقل الفلفل إلى “الكوشة”، وهي أفران تقليدية تمنحه حرارة مضبوطة تعزز من لونه الأحمر القاني وتزيده نكهة مميزة.
ومن هناك تبدأ المرحلة الأخيرة، حيث يُرحى الفلفل ويُعجن مع الزيت والثوم والبهارات ليولد منتج الهريسة، وهي عبارة عن عجينة حمراء حارة تضفي على الأطباق التونسية سحرًا خاصًا ومذاقًا لذيذًا لاذعًا، وتمثل هذه العجينة الحمراء الحارة رمزًا من رموز المائدة التونسية وركيزة من ركائز المطبخ المحلي.
وينقسم الفلفل بعد تجفيفه إلى أنواع عدة، أبرزها: فلفل “الشقف” حيث يتم تقطيعه قطعًا كبيرة ويُستخدم للنكهة، والفلفل “المرحي”، الذي يُطحن بعد تجفيفه للحصول على مسحوق الفلفل الحار، ثم “الهريسة العربي” وهي من أشهر الصناعات التقليدية، يُطحن فيها الفلفل المجفف مع الثوم والملح وزيت الزيتون، وتُحفظ في أوانٍ فخارية تُعرف بـ”الكانون”.
والهريسة ليست مجرد توابل أو مكون غذائي، بل هي رمز للهوية التونسية وذاكرة الطفولة، حيث تظل صور النسوة وهن ينشرن الفلفل أو يشتغلن حول المهراس التقليدي شاهدة على صناعة متجذرة في عمق الحياة اليومية.
واليوم، ورغم تطور الصناعات الغذائية، لا تزال الهريسة التقليدية تحافظ على بريقها، لتروي قصة المرأة التونسية التي حولت الفلفل الأحمر إلى ذهب يُزيّن موائد العالم، ويمنح للمطبخ التونسي مذاقه الفريد.
وعملت تونس على تحويل هذه المهارة إلى مشاريع ربحية، حيث يعد الفلفل الدياري، أي أنه صناعة يدوية، للبيع والتصدير، وأصبحت النساء يعتمدن على هذه الصناعة لتحسين دخلهن ودعم أسرهن اقتصاديًا.
// واس //

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن