
الكاتب
رائد الصعوب
18.9.2025
في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية والإقليمية، أعلنت كل من المملكة العربية السعودية وباكستان – الدولة النووية – توقيع اتفاقية دفاع مشترك، في 17 سبتمبر 2025، وذلك وفقًا لما بثه التلفزيون الرسمي الباكستاني ونقلته وكالة “رويترز”. هذه الاتفاقية تمثل تتويجًا لعقود طويلة من التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، لكنها تأتي هذه المرة بشكل رسمي وموثق، بما يعزز الردع المشترك ويعيد تشكيل معادلات القوة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
المقال التالي هو تلخيص شامل وإبداعي لما ورد في الخبر، مع تحليل أبعاده الإقليمية والدولية، وتأثيراته المستقبلية على أمن المنطقة والعالم.
خلفية تاريخية للعلاقات السعودية – الباكستانية
العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان ليست وليدة اللحظة، بل تمتد إلى أكثر من سبعين عامًا. منذ تأسيس باكستان عام 1947، كانت السعودية واحدة من أبرز الدول الداعمة لها سياسيًا واقتصاديًا. وقد شكلت القواسم المشتركة – الدين، المصالح الاقتصادية، والتحديات الأمنية – أساسًا متينًا لهذه العلاقة.
على مر العقود، قدمت السعودية دعمًا اقتصاديًا سخياً لإسلام آباد، سواء في صورة مساعدات مالية أو تسهيلات نفطية. وفي المقابل، لعبت باكستان دورًا مهمًا في تعزيز القدرات الدفاعية السعودية، حيث أرسلت خبراء عسكريين ومدربين، بل وساهمت في حماية بعض المنشآت الحيوية داخل المملكة.
جوهر الاتفاقية الجديدة
الاتفاقية التي وُقّعت في سبتمبر 2025 تذهب أبعد من مجرد تعاون عسكري تقليدي. فقد نصت بوضوح على أن أي اعتداء على أي من البلدين يُعتبر اعتداءً على الآخر، وهو ما يرقى إلى مستوى “التحالف الدفاعي المتكامل”.
هذا البند، تحديدًا، يعكس تحولًا استراتيجيًا كبيرًا؛ إذ لم تعد العلاقة قائمة على الدعم أو التعاون المحدود، بل أصبحت مظلة أمنية مشتركة تهدف إلى ردع أي تهديدات خارجية، سواء كانت إقليمية أو دولية.
كما شدد بيان مكتب رئيس الوزراء الباكستاني على أن الاتفاقية تهدف إلى تطوير مجالات التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان. بمعنى آخر، هي ليست مجرد تعهد سياسي، بل خطة عملية لتوسيع مجالات التدريب، التسلح، تبادل الخبرات، وربما التعاون في الصناعات العسكرية.
توقيت الاتفاقية ودلالاته
توقيع هذه الاتفاقية في هذا التوقيت ليس أمرًا عابرًا، بل يرتبط بظروف إقليمية ودولية حساسة. فالعالم يشهد تصاعد التوترات في عدة مناطق، من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي، مرورًا بالشرق الأوسط حيث تتفاقم التحديات الأمنية.
بالنسبة للسعودية، يأتي الاتفاق بعد سنوات من إعادة هيكلة سياستها الدفاعية وسعيها لتنويع شراكاتها الدولية، وعدم الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة كما كان في السابق. أما باكستان، فهي تجد في الاتفاق فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية، وإرسال رسالة قوية لخصومها التقليديين وعلى رأسهم الهند.
الأبعاد الإقليمية
1.الشرق الأوسط: الاتفاقية تعزز مكانة السعودية كقوة إقليمية قادرة على حماية أمنها بالتعاون مع قوة نووية مثل باكستان. وهذا سيؤثر مباشرة على موازين القوى مع إيران، التي لطالما تنافست مع المملكة على النفوذ في المنطقة.
2.جنوب آسيا: بالنسبة لباكستان، فإن الدعم السعودي يشكل عمقًا استراتيجيًا، خصوصًا في ظل توترها المستمر مع الهند. كما أن الاتفاق قد يثير قلق نيودلهي التي ستنظر إليه كتعزيز للقدرات الدفاعية الباكستانية.
3.العالم الإسلامي: الاتفاقية تعكس وحدة صف بين بلدين رئيسيين في العالم الإسلامي، أحدهما يمتلك مكانة دينية واقتصادية (السعودية) والآخر قوة نووية عسكرية (باكستان). وهذا قد يفتح الباب أمام تشكيل جبهة أمنية إسلامية أوسع.
التأثيرات الدولية
من منظور دولي، ستتابع القوى الكبرى هذه الاتفاقية عن كثب. الولايات المتحدة قد ترحب بها جزئيًا من حيث تعزيز استقرار حليفين لها، لكنها في الوقت نفسه قد تشعر بالقلق من أن تقلص الرياض اعتمادها على واشنطن أمنيًا.
أما الصين، فربما ترى فيها خطوة إيجابية، نظرًا لعلاقاتها المتنامية مع كل من باكستان والسعودية، ضمن مبادرة “الحزام والطريق”. في حين ستعتبرها الهند والغرب تحديًا جديدًا لمعادلات الأمن الإقليمي.
هل يمكن أن تمتد الاتفاقية إلى المجال النووي؟
أكثر الأسئلة إثارة للجدل هو: هل يمكن أن يشمل التعاون السعودي – الباكستاني بُعدًا نوويًا؟
حتى الآن لم يُعلن أي شيء رسمي بهذا الصدد، لكن وجود باكستان كقوة نووية يفتح باب التكهنات. البعض يرى أن السعودية قد تعتمد على هذه الشراكة كضمانة ردع استراتيجية في مواجهة أي تهديد نووي محتمل في المنطقة.
الخلاصة والتقييم
اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان ليست مجرد خطوة ثنائية عابرة، بل هي تحول استراتيجي قد يعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي. فهي تمنح السعودية مظلة ردع إضافية، وتعزز من مكانة باكستان كحليف لا غنى عنه في المعادلات الجيوسياسية.
على المدى القريب، ستساهم الاتفاقية في تعزيز الاستقرار وردع التهديدات. أما على المدى البعيد، فقد تكون نقطة انطلاق نحو تحالفات إسلامية أوسع، وربما نحو نظام أمني جديد متعدد الأقطاب.
وبينما ستثير هذه الخطوة قلق بعض القوى الإقليمية والدولية، فإنها بلا شك تعكس إدراكًا سعوديًا – باكستانيًا بضرورة الاعتماد على الذات، وبناء شراكات قوية قادرة على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
مع خالص التحية،
المهندس رائد الصعوب.
الأمين العام السابق للإتحاد العربي للأسمدة